فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



واختلف في تفسير قوله تعالى: {وأرضًا} أي: وأورثكم أرضًا {لم تطؤها} فعن مقاتل أنها خيبر وعليه أكثر المفسرين، وعن الحسن فارس والروم، وعن قتادة كما تحدث أنها مكة، وعن عكرمة كل أرض تفتح إلى القيامة، ومن بدع التفسير أنه أراد نساءهم انتهى.
ولما كان ذلك أمرًا باهرًا سهله بقوله تعالى: {وكان الله} أي: أزلًا وأبدًا بما له من صفات الكمال {على كل شيء} هذا وغيره {قديرًا} أي: شامل القدرة، روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: «لا إله إلا الله وحده أعز جنده ونصر عبده وغلب الأحزاب وحده فلا شيء بعده» ولما أرشد الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إلى جانب ما يتعلق بجانب التعظيم لله تعالى بقوله تعالى: {يا أيها النبي اتق الله} ذكر ما يتعلق بجانب الشفقة، وبدأ بالزوجات فإنهن أولى الناس بالشفقة ولهذا قدمهن في النفقة فقال: {يا أيها النبي قل لأزواجك} أي: نسائك {إن كنتن} أي: كونًا راسخًا {تردن} أي: اختيارًا على {الحياة} ووصفها بما يزهد فيها ذوي الهمم، ويذكر من له عقل بالآخرة بقوله تعالى: {الدنيا} أي: ما فيها من السعة والرفاهية والنعمة {وزينتها} أي: المنافية لما أمرني به ربي من الإعراض عنه واحتقاره من أمرها لأنها أبغض خلقه إليه لأنها قاطعة عنه {فتعالين} أصله أن الآمر يكون أعلى من المأمور فيدعوه أن يرفع نفسه إليه، ثم كثر حتى صار معناه أقبل وهو هنا كناية عن الأخبار والإرادة بعلاقة أن المخبر يدنو إلى من يخبره {أمتعكن} أي: بما أحسن به إليكن من متعة الطلاق، وهي واجبة لزوجة لم يجب لها نصف مهر فقط بأن وجب لها جميع المهر، أو كانت مفوضة لم توطأ ولم يفرض لها شيء صحيح.
أما في الأولى: فلأن المهر في مقابلة منفعة بضعها، وقد استوفاها الزوج فتجب للإيحاش المتعة، وأما في الثانية: فلأن المفوضة لم يحصل لها شيء، فيجب لها متعة للإيحاش، بخلاف من وجب لها النصف فلا متعة لها لأنه لم يستوف منفعة بضعها فيكفي نصف مهرها للإيحاش. هذا إذا كان الفراق لا بسببها، وسن أن لا تنقص عن ثلاثين درهمًا أو ما قيمته ذلك، وأن لا تبلغ نصف المهر، فإن تراضيا على شيء فذاك، وإلا قدرها قاض باجتهاده بقدر حالهما من يساره وإعساره ونسبها وصفاتها قال تعالى: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}.
{وأسرحكن} أي: من حبالة عصمتي {سراحًا جميلًا} أي: طلاقًا من غير مضارة ولا نوع حطة ولا مقاهرة.
{وإن كنتن} أي: بما لكن من الجبلة {تردن الله} أي: الآمر بالإعراض عن الدنيا {ورسوله} أي: المؤتمر بما أمره به من الانسلاخ عنها، المبلغ للعباد جميع ما أرسله به من أمر الدنيا والدين، لا يدع منه شيئًا لما له عليكن وعلى سائر الناس من الحق بما يبلغهم عن الله تعالى: {والدار الآخرة} أي: التي هي الحيوان بما لها من البقاء والعلو والارتقاء {فإن الله} بما له من جميع صفات الكمال {أعد} أي: في الدنيا والآخرة {للمحسنات منكن} أي: اللاتي يفعلن ذلك {أجرًا عظيمًا} تستحقر دونه الدنيا وزينتها، ومن للبيان لأنهن كلهن محسنات قال المفسرون: سبب نزول هذه الآية: أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم سألنه من عرض الدنيا شيئًا، وطلبن منه زيادة في النفقة وآذينه بغيرة بعضهن على بعض، فهجرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم وآلى أن لا يقربهن شهرًا ولم يخرج إلى أصحابه فقالوا: ما شأنه وكانوا يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، فقال عمر: لأعلمن لكم شأنه قال: فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أطلقتهن قال: لا فقلت: يا رسول الله إني دخلت المسجد والمسلمون يقولون: طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه، أفأنزل فأخبرهم أنك لم تطلقهن قال: نعم إن شئت. فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي لم يطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه ونزل قوله تعالى: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم}.
فكنت أنا الذي استنبط ذلك الأمر، وأنزل الله تعالى آية التخيير وكان تحت رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، خمس من قريش عائشة بنت أبي بكر، وحفصة بنت عمر، وأم حبيبة بنت أبي سفيان، وأم سلمة بنت أبي أمية، وسودة بنت زمعة، وأربع من غير القريشيات: زينب بنت جحش الأسدية، وميمونة بنت الحارث الهلالية، وصفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية، وجويرية بنت الحارث المصطلقية.
فلما نزلت آية التخيير عرض عليهن رضي الله تعالى عنهن ذلك، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة رأس المحسنات إذ ذاك، وكانت أحب أهله فخيرها وقرأ عليها القرآن فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة، فرؤي الفرح في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعنها على ذلك قال قتادة: فلما اخترن الله ورسوله شكرهن الله على ذلك وقصره عليهن فقال تعالى: {لا يحل لك النساء من بعد}.
وعن جابر بن عبد الله قال: دخل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد الناس جلوسًا ببابه لم يؤذن لأحد منهم، فأذن لأبي بكر فدخل، ثم أقبل عمر ثم استأذن فأذن له، فوجد النبي صلى الله عليه وسلم جالسًا حوله نساؤه واجمًا ساكتًا قال: فقال لأقولن شيئًا أضحك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله لو رأيت بنت خارجة سألتني النفقة فقمت إليها فوجأت عنقها فضحك النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «هن حولي كما ترى يسألنني النفقة»، فقام أبو بكر إلى عائشة يجأ عنقها، وقام عمر إلى حفصة يجأ عنقها كلاهما يقول: لا تسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا أبدًا ليس عنده، ثم اعتزلهن شهرًا أو تسعًا وعشرين يومًا، ثم نزلت هذه الآية: {يا أيها النبي قل لأزواجك} حتى بلغ {للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا}. قال: فبدأ بعائشة فقال: يا عائشة إني أعرض عليك أمرًا لا أحب أن تعجلي فيه حتى تستشيري أبويك قالت: وما هو يا رسول الله فتلا عليها الآية فقالت: أفيك يا رسول الله أستشير أبوي بل أختار الله ورسوله والدار الآخرة، وأسألك أن لا تخبر امرأة من نسائك بالذي قلت قال: لا تسألني امرأة منهن إلا أخبرتها أن الله لم يبعثني معنتًا، ولكن بعثني معلمًا ميسرًا قوله واجمًا أي: مهتمًا والواجم: الذي أسكته الهم، وعلته الكآبة وقيل: الوجوم الحزن، وقوله: فوجأت عنقها أي: دققته، وقوله: لم يبعثني معنتًا العنت: المشقة والصعوبة، وروى الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرًا، قال الزهري: فأخبرني عروة عن عائشة قالت: فلما مضت تسع وعشرون أعدهن دخل عليّ فقلت: يا رسول الله إنه مضى تسع وعشرون أعدهن فقال: «إن الشهر تسع وعشرون».
تنبيه:
اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويضًا للطلاق إليهن حتى يقع بنفس الاختيار أو لا، ذهب الحسن وقتادة وأكثر أهل العلم: إلى أنه لم يكن تفويض الطلاق، وإنما خيرهن على أنهن إذا اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى: {فتعالين أمتعكن وأسرحكن} ويدل عليه أنه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال لعائشة: لا تعجلي حتى تستشيري أبويك، وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور، وذهب آخرون: إلى أنه كان تفويض طلاق، ولو اخترن أنفسهن كان طلاقًا.
واختلف العلماء في حكم التخيير: فقال عمر وابن مسعود وابن عباس: إذا خير الرجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء، ولو اختارت نفسها وقع طلقة واحدة، وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي، إلا أن عند أصحاب الرأي: أنه يقع طلقة بائنة إذا اختارت نفسها.
وعند الآخرين: رجعية. وقال زيد بن ثابت: إذا اختارت الزوج تقع طلقة واحدة، وإن اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن ورواية عن مالك، وروي عن علي: أنها إذا اختارت زوجها تقع طلقة واحدة رجعية، وإن اختارت نفسها فطلقة بائنة، وأكثر العلماء على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء.
وعن مسروق قال: ما أبالي خيرت امرأتي واحدة أو مائة أو ألفًا بعد أن تختارني. قال الرازي: وهنا مسائل:
منها هل كان هذا التخيير واجبًا على النبي صلى الله عليه وسلم أم لا، والجواب: أن التخيير كان قولًا واجبًا من غير شك لأنه إبلاغ لرسالة لأن الله تعالى لما قال له: قل لهن صار من الرسالة، وأما التخيير معنى فمبني على أن الأمر للوجوب أم لا، والظاهر أنه للوجوب.
ومنها: أن واحدة منهن لو اختارت نفسها وقلنا: إنها لا تبين إلا بإبانة النبي صلى الله عليه وسلم فهل كان يجب على النبي صلى الله عليه وسلم الطلاق أم لا، الظاهر نظر إلى منصب النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجب لأن الخلف في الوعد من النبي صلى الله عليه وسلم غير جائز، بخلاف أحدنا فإنه لا يلزمه شرعًا الوفاء بما يعد.
ومنها: أن المختارة بعد البينونة هل كانت تحرم على غيره أم لا، الظاهر أنها لا تحرم وإلا لم يكن التخيير ممكنًا لها من التمتع بزينة الدنيا.
ومنها: أن من اختارت الله ورسوله هل كان يحرم على النبي صلى الله عليه وسلم طلاقها أم لا، الظاهر الحرمة نظرًا إلى منصب الرسول صلى الله عليه وسلم على معنى أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يباشره أصلًا، لا بمعنى أنه لو أتى به لعوقب أو عوتب انتهى.
ولما خيرهن واخترن الله ورسوله هددهن الله للتوقي عما يسوء النبي صلى الله عليه وسلم وأوعدهن بتضعيف العذاب بقوله: {يا نساء النبي} أي: المختارات له لما بينه وبين الله تعالى مما يظهر شرفه {من يأت منكن بفاحشة} أي: سيئة من قول أو فعل كالنشوز وسوء الخلق واختيار الحياة الدنيا وزينتها على الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك، وقال ابن عباس: المراد هنا بالفاحشة: النشوز وسوء الخلق وقيل: هو كقوله تعالى: {لئن أشركت ليحبطن عملك}.
وقرأ ابن كثير وشعبة {مبينة} بفتح الياء التحتية أي: ظاهر فحشها، والباقون بكسرها أي: واضحة ظاهرة في نفسها {يضاعف لها العذاب} أي: بسبب ذلك {ضعفين} أي: ضعفي عذاب غيرهن أي: مثيله وإنما ضوعف عذابهن لأن ما قبح من سائر النساء كان أقبح منهن وأقبح لأن زيادة قبح المعصية تتبع زيادة الفضل والمرتبة، ولذلك كان ذم العقلاء للعاصي العالم أشد منه للعاصي الجاهل لأن المعصية من العالم أقبح، ولذلك جعل حد الحر ضعفي حد العبد، وعوتب الأنبياء بما لم يعاتب به غيرهم، وقرأ نافع وعاصم وحمزة والكسائي بالياء التحتية وألف بعد الضاد وتخفيف العين مفتوحة، العذاب بالرفع، وابن كثير وابن عامر بالنون، ولا ألف بعد الضاد وتشديد العين مكسورة، العذاب بالنصب، وأبو عمرو بالياء وتشديد العين مفتوحة العذاب بالرفع. وقوله تعالى: {وكان ذلك على الله يسيرًا} فيه إيذان بأن كونهن نساء للنبي صلى الله عليه وسلم ليس بمغن عنهن شيئًا، وكيف يغني عنهن وهو سبب مضاعفة العذاب، فكان داعيًا إلى تشديد الأمر عليهن غير صارف عنه. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{يَا أَيُّهَا النَّبيُّ قُلْ لأَزْوَاجكَ إنْ كُنْتُنَّ تُردْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ}.
أخرج أحمد ومسلم والنسائي وابن مردويه من طريق أبي الزبير عن جابر قال: أقبل أبو بكر رضي الله عنه يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والناس ببابه جلوس، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فلم يؤذن له، ثم أذن لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما، فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو ساكت فقال عمر رضي الله عنه: لأكلمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله يضحك، فقال عمر رضي الله عنه: يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتني النفقة آنفًا فوجأت عنقها، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدا ناجذه، وقال: «هن حولي يسألنني النفقة» فقام أبو بكر رضي الله عنه إلى عائشة رضي الله عنها ليضربها، وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان: تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده. فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا، فقلن نساؤه: والله لا نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده. وأنزل الله الخيار فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: «إني ذاكر لك أمرًا ما أحب أن تعجلي فيه حتى تستأمري أبويك» قالت: ما هو؟ فتلا عليها {يا أيها النبي قل لأزواجك}. قالت عائشة رضي الله عنها: أفيك استأمر أبوي؟! بل اختار الله ورسوله، وأسألك أن لا تذكر إلى امرأة من نسائك امرأة ما اخترت، فقال: «إن الله لم يبعثني متعنتًا، وإنما بعثني معلمًا مبشرًا، لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها».
وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة الحضرمي قال جلست مع أبي سعيد الخدري، وجابر بن عبد الله رضي الله عنهما، وهما يتحدثان وقد ذهب بصر جابر رضي الله عنه، فجاء رجل فجلس، ثم قال: يا أبا عبد الله أرسلني إليك عروة بن الزبير، أسألك فيم هجر رسول الله صلى الله عليه وسلم نساءه؟، فقال جابر رضي الله عنه: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة لم يخرج إلى الصلاة، فأخذنا ما تقدم وما تأخر، فاجتمعنا ببابه يسمع كلامنا ويعلم مكاننا، فأطلنا الوقوف، فلم يأذن لنا، ولم يخرج إلينا، فقلنا: قد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانكم، ولو أراد أن يأذن لكم لأذن فتفرقوا لا تؤذوه، فتفرقوا غير عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتنحنح ويتكلم ويستأذن حتى أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال عمر رضي الله عنه: فدخلت عليه وهو واضع يده على خده أعرف به الكآبة، فقلت له: أي نبي الله- بأبي أنت وأمي يا رسول الله- ما الذي رابك؟ وما الذي لقي الناس بعدكم من فقدهم لرؤيتك؟ فقال: يا عمر سألتني الاماء ما ليس عندي- يعني نساءه- فذاك الذي بلغ بي ما ترى. فقلت: يا نبي الله قد صككت جميلة بنت ثابت صكة ألصقت خدها منها بالأرض لأنها سألتني ما ليس عندي، وأنت يا رسول الله على موعد من ربك، وهو جاعل بعد العسر يسرًا قال: فلم أزل أكلمه حتى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تحلل عنه بعض ذلك، فخرجت، فلقيت أبا بكر الصديق رضي الله عنه، فحدثته الحديث، فدخل أبو بكر على عائشة رضي الله عنها، قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يدخر عنكن شيئًا، فلا تسأليه ما لا يجد، انظري حاجتك فاطلبيها إلي، وانطلق عمر رضي الله عنه إلى حفصة، فذكر لها مثل ذلك، ثم اتبعا أمهات المؤمنين، فجعلا يذكران لهن مثل ذلك، فأنزل الله تعالى في ذلك: {يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحًا جميلًا} يعني متعة الطلاق ويعني بتسريحهن: تطليقهن طلاقًا جميلًا {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا}.
فانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبدأ بعائشة رضي الله عنها فقال: إن الله قد أمرني أن أخيركن بين أن تخترن الله ورسوله والدار الآخرة، وبين أن تخترن الدنيا وزينتها، وقد بدأت بك وأنا أخيرك قالت: وهل بدأت بأحد قبلي منهن؟ قال: لا. قالت: فإني أختار الله ورسوله والدار الآخرة، فاكتم علي ولا تخبر بذاك نساءك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بل أخبرهن به، فأخبرهن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعًا، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فكان خياره بين الدنيا والآخرة. اتخترن الآخرة أو الدنيا؟ قال: {وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرًا عظيمًا} فاخترن أن لا يتزوجن بعده، ثم قال: {يا نساء النبي من يأت منكن بفاحشة مبينة} يعني الزنا {يضاعف لها العذاب ضعفين} يعني في الآخرة {وكان ذلك على الله يسيرًا ومن يقنت منكن لله ورسوله} يعني تطيع الله ورسوله {وتعمل صالحًا نؤتها أجرها مرتين} مضاعفًا لها في الآخرة {وأعتدنا لها رزقًا كريمًا} {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء إن اتقيتن فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض} يقول فجور {وقلن قولًا معروفًا وقرن في بيوتكن} يقول لا تخرجن من بيوتكن {ولا تبرجن} يعني إلقاء القناع فعل الجاهلية الأولى، ثم قال جابر رضي الله عنه: ألم يكن الحديث هكذا؟ قال: بلى.